الفتاة ذات الشعر الذهبي
على غير العادة، وجدت نفسي غاضبا، كئيبا و حزينا فقررت الذهاب إلى الحديقة علني أكسر حدة الملل المقرفة التي اجتاحتني على حين غرة...
و هكذا كان، اشتريت جريدة لتمضية الوقت و دخلت الحديقة بقلب منشرح فرح.
انتقيت كرسيا بجوار بركة ماء تحلق حولها الحمام في منظر بهيج، و فردت الجريدة في هدوء فرحت أقرأ تلك الكلمات المرتمية بين سطور لفها التنمق و الكذب...
لم أجد شيئا مثيرا ينقلني من ذاك الملل القاتل إلى الإثارة الرائعة، فانطويت على نفسي و على من حولي لربما وجدت شيئا قد يعيد الحياة في داخلي... رميت بصري هنا وهنا و لكن لا جديد، ألقيت نظرة على بركة الماء فرأيت أعداد الحمام تتزايد، فالشمس بدأت ترسل آخر خيوطها الذهبية الرفيعة و كأنها تأذن للرحيل تاركة مكانها لظلمة الليل القاتمة...
كان كل شيء على ما يرام، رميت بصري هنا وهناك في محاولة أخيرة للإثارة، فرأيت منظرا جعلني أعدل عن فكرة الذهاب إلى البيت، رأيت فتاة جميلة للغاية تداعب شعرها اللين في براءة... فتاة خفق قلبي لحظة ارتماء عيناي نحوها، قمة في الروعة و آية في الجمال...
قررت، و في لحظات وجيزة، الذهاب إليها و التحدث معها علني أكسب صداقتها أو ودها حتى...
مررت بها على عجل و رميت التحية في غرور تام فلم ترد، بل أدارت وجهها نحو بركة الماء و كأنها تحاول عد أسراب الحمام المتزايدة باستمرار...
سبحتُ للحظات في بحر عينيها الغامضتين و أنهار شعرها المنسدل على كتفيها، لحظات كانت كافية لأدرك مدى جمالها الأخاذ و إثارتها المبهرة...
و بدون استئذان منها جلست بجانبها و قلت في تواضع :
- هل من الممكن أن نكون أصدقاء ؟؟
لم ترد مرة أخرى، بل نظرت نحوي في شجاعة محاوِلةً إخفاء موافقتها وراء توتر كبير
بدوري لم أهتم، بل حاولت التحدث معها من جديد حتى لا أظهر ضعيفا أمام نفسي و أمامها، أو على الأقل أمام عينيها الساحرتين... قلت مرة أخرى:
- هل من الممكن أن نكون أصدقاء ؟؟
فردت هذه المرة:
- و لماذا ؟؟
صعقت لإجابتها السريعة فأدركت أنها كانت تحاول إنهاء المحادثة بأي ثمن... و لكن بالنسبة لي لم يكن لدي ثمن لأدفعه إلا على حساب ذاتي، فقلت بشجاعة مفرطة:
- لست من الذين يبيعون كرامتهم من أجل فتاة، كل ما هنالك أنني أحاول طرد الملل من داخلي بأي طريقة...
غضبت هذه المرة فتأهبت للوقوف، و لكنني أمسكت بيدها و هدأت من روعها بنظرات أشبه بالخائفة إلى المستسلمة.
لم تستطع إخفاء غضبها و توترها فأخرجت هاتفا نقالا و جعلت تداعب أزراره محاولة إلهاء نفسها عني، وكأنها تحاول تركي...
و لكنني لم أكن بالمستسلم بتلك السهولة التي كانت تتصورها، فبدأت أفكر في شيء يكسر حاجز الصمت بيننا... بصراحة كنت قد بدأت أتوغل في غابة حبها الضائع، فقد نسجت، و بدون أن تحس، شباكها بداخلي و صرت مرغما على التحدث إليها حتى لا أبدل الملل بانهزام عاطفي مروع.
فكلمْتُها بهدوء:
- اسمي محمد، و عمري خمس عشرة سنة...
فردت بروية:
- تشرفنا، أنا هيام عمري أربعة عشر سنة
حينها أدركت أنني نجحت في تحريك شفتاها العذبتان، فقلت:
- تشرفنا، و لكن هل من الممكن أن نكون أصدقاء ؟؟
فردت بصوتها العذب :
- ربما، فهذا متوقف على مدى الانسجام بيننا...
أغلقت فمي للحظات، كان جوابها قاسيا إلى درجة جعلتني أفكر في جواب مقنع، رأيتها تحاول إطلاق رصاصة الرحمة علي، و لكنها لم تفلح...
أجبت بعد تفكير أشبه بالطويل:
- سأكلمك بصراحة، لم أضعف أمام فتاة قط، و لكنني أبدوا أمامك كالفتى الصغير المنهار...
فردت بهدوء:
- لا تخف، فأحيانا يكون الضعف قوة بالنسبة للرجل...
قلت بدون تفكير:
- و بالنسبة للمرأة ؟؟؟
فردت باندفاع كبير:
- تحطم لها بالتأكيد...
حبنها أدركت أنها فتاة ذكية، فقد استطاعت التغلب علي بسهولة بفضل كلامها الساخن و المثير...
أردت الذهاب هذه المرة، و لكنني استغربت حينما مسكت يداي تحاول إجلاسي بالقوة، كنت أدرك تماما أن بضع كلمات أخرى قد تكون كافية لتكون رصاصة موجهة نحو قلبي و تحتاج لإعادة ترتيب أوراقي من جديد...
لم تفكر كثيرا حتى قالت :
- هل رأيت مدى التناقض بيننا ؟؟
فلم أجب، بل تركتها تفكر في جواب مقنع لسؤالها. حاولت الرد لأكثر من مرة، و لكن لساني لم يطاوعني فكلامي قد يزيد من خسارتي أمامها...
أحست أن وقت التفكير انتهى، فقالت في عجالة:
- علي الذهاب فقد تأخر الوقت...
كان كلامها هذا كافيا ليعلن انتصاري أمامها، لم أكن أتوقع استسلامها بتلك السرعة، لم تقاوم نظراتي و سكوتي فأعلنت انسحابها بسلاسة كبيرة...
بعد فترة وجيزة رأيتها تجمع حقيبتها و أوراقها فحملت نفسها و ذهبت دون أن تلقي السلام.
أحست بضعفها أمامي فرأت الانسحاب الحل الأمثل... فتركتني أناطح الأفكار الهائمة...
و لكنني، و على الأقل استطعت النيل منها بفوز أنقذ كبريائي و ذاتي...